/ الفَائِدَةُ : (115) /
30/04/2025
بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على محمد واله الطاهرين ، واللَّعنة الدَّائمة على أَعدائهم اجمعين. / عدم تناهي ومحدوديَّة معاني وحقائق قالب التَّعريض بخلاف التَّصريح / إِنَّ التَّصريح بالمعنىٰ يكون محدوداً ومحبوساً في معنىٰ قالب اللَّفظ المُصرَّح به ، بخلاف قالب التَّعريض ؛ فإِنَّه يحتوي علىٰ عشرات ، بل معاني غير متناهية وغير محدودة كلّها داخلة في مراد المُتكلِّم ؛ بنحو تعدُّد شبكي منظومي وموزون بشواهد وقرائن ودلائل عِلْمِيَّة ، ولَـمَّا كانت بَعْثَة سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ هي الخاتمة ؛ وما قبلها من بَعْثَات سائر الأَنبياء والرُّسل عليهم السلام إِعداد لها ناسب أَنْ تكون علومها وعلوم قوالب تعريضها غير متناهية وغير محدودة ؛ لعدم تناهي وعدم محدوديَّة علوم الوحي . وهذا ما أَشارت إِليه بيانات الوحي ، منها : 1ـ بيان قوله تعالىٰ : [قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا](1). 2ـ بيان قوله تقدَّس ذكره : [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ](2). 3ـ بيان قوله جلَّ قدسه : [مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ](3). ٤ـ بيان أَمِير الْمُؤْمِنِينَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، الوارد في فضل القرآن الكريم : «... ثُمَّ أَنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأُ مصابيحه ، وسراجاً لا يخبو توقُّده ، وبحراً لا يُدرك قعره ... وفرقاناً لا يخمد برهانه ... فهو معدن الإِيمان وبحبوحته ، وينابيع العلم وبحوره ... وبحر لا ينزفه المستنزفون ، وعيون لا ينضبها الماتحون ، ومناهل لا يغيضُها الواردون ... جعله الله ريّا لعطش العلماء ... ودواء ليس بعده داء ...»(4). 5ـ بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، عن أَبي بصير ، قال : «... قلتُ: قوله: [لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا] ، قال : قد أخبركَ : أَنَّ كلام الله ليس له آخر ، ولا غاية ، ولا ينقطع أَبداً ...»(5). ودلالة الجميع واضحة . وحيث إِنَّ التَّصريح لا يتحمَّل المعاني غير المتناهية وغير المحدودة ؛ لتناهي ومحدوديَّة الأَلفاظ اِقتضت الضَّرورة التَّعامل بقوالب التَّعريض . إِذَنْ : لَـمَّا كان ما أُوحي إِلى سائر الأَنبياء والرُّسل عليهم السلام من علوم وحقائق يتحمَّله قالب التَّصريح بُعثُوا بذلك ، بخلاف ما أُوحي إِلى سَيِّد الْأَنْبِيَاء صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ ؛ فإِنَّها لَـمَّا كانت بحوراً زخَّارة من معاني وعلومٍ ومعارفٍ وحقائقٍ غير متناهية وغير محدودة فلا تتحمَّلها عبارة أَو قالب التَّصريح فصار الأَمر لقالب بحر متلاطم زاخر موَّاج ، لا يُدرَك طرفه ، ولا يبلغ قعره ، وهو : قالب التَّعريض . وإِلى هذا تُشير بيانات الوحي ، منها : بيان الإِمام الصَّادق صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ : «إِنَّ أَمرنا صعب مستصعب لا يحتمله إِلَّا صدور مشرقة ، وقلوب منيرة ، وَأَفئدة سليمة ، وَأَخلاق حسنه ... وإِنَّ عندنا سرّاً من الله ما كلَّف الله به أَحداً غيرنا ...»(6). وصلى الله على محمد واله الاطهار . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الكهف: 109. (2) لقمان: 27. (3) النحل: 96. (4) نهج البلاغة، 2: 177. (5) بحار الأَنوار، 4: 151/ح2. (6) بحار الأَنوار، 2: 209ـ 210/ح105